تحت الإستجواب … ( 3 )


tanhaeisokotnellofar30385

……… يا سيدي .. أرجوك … و الله لا أذكر بأني قمت بأي عمل مُخالف لأي تعليمات من أي جهة كانت …

حسناً سأذّكرك : دخلت إلى غرفة العلاقات العامة في الساعة الحادية عشر و النصف إلاّ ثلاث دقائق … كنت ترتدي بنطال بنيّ اللون و قميص رمادي بأكمام قصيرة ينقصه زر واحد .. و حذاءً صيفياً … نظر المسؤول من فوق طاولته إلى قدميه … و شاهد فردة الحذاء اليتيمة .. نعم هذا الحذاء … بالضبط … لكنك كنت أكثر جفافاً من اليوم … و أفضّل رائحة …  كُنت تحمل بيدك ثلاث مُصّنفات زهّرية اللون و واحد أخضر غامق … و قلم أزرق من نوع ( بيك ) ممتلئ حبراً دون منتصفه له غطاء أحمر اللون  كونك فقدت الغطاء الأزرق في مكتب الأستاذ فراس .. لمعلوماتك .. الغطاء الأزرق موجود تحت طاولته من الجهة اليمنى  أقرب لسلة المهملات .. لكنك لم تبحث هناك …….

…..   لحظة دخولك بالضبط سقطت حمــّالة المفاتيح من يدك ,  لونها أحمر , أعطاك إياها الســّمان أبو عبدو كدعاية لشركة مشروبات غازية .. المفتاح ذو اللون الأصفر الصغير .. يخص قفل دراجتك الهوائية .. أما المفتاح الإحتياطي الآخر , فقد أخفيته في المطبخ , خلف علبة الفلفل الأحمر .. أما المفتاحان الآخران فواحد لباب بيتك ..

و الثاني مفتاح سيارة وجدته في شارع التحرير على الرصيف الشمالي و وضعته مع مفاتيحك , كّونك تحب أن تتظاهر أحياناً بينك و نفسك  و كأنه لديك سيارة !!!!!!

.. لحظتها تماماً .. مرت بجوارك الآنسة  سعدية .. و التي على مايبدو , و حسب معلوماتنا تروق لكْ يا عفريت  , لكنك  تخشى مصارحتها كونها من عائلة ميسورة الحال بخلاف عائلتك  .. بكل الأحوال لو إعترفتْ لها بمشاعرك إتجاهها … ستقبل بك رغم أنها تتظاهر بعكس ذلك …  بالمناسبة زميلك فراس أيضاً يسعى ورائها  .

تذّكر للحظة جرائد الصباح و صفحة أبراج الحظ .. التي لم تَصْدُقْ معه و لا مّرة , بعكس كلام المسؤول … فهو صحيح  مئة بالمئة .. ليته يعمل في تحرير هذه الصقحة ؟؟؟  خاطرة مّرت كَبرق تائه  في ذهنه ..

يتابع المسؤول  …. كان في جيبك الأيمن مناديل ورقية من نوع الضفدع الأزرق , و إيصال كهرباء بمبلغ  سبعمائة و تسعة و خمسون  … كنت تنوي دفعه في ذلك اليوم , لكنك لم تفعل .. في جيبك الأيسر مسبحةّ زرقاء أهداك إياها  المواطن زعرور التائب , عندما جاء من العمرة و ذهبت لتسّلم عليه ….  كان ذلك بتاريخ 11  من ذلك الشهر و كان الوقت عصراً … في منزله الكائن بجانب المسلخ البلدي … قال كلمة (( مسلخ ) و هو يهزّ رأسه يمّنة و شَمال مغمض العينين كمن يتلذذ بقطعة من الحلوى ….

مع المسبحة الزرقاء ثلاث أوراق نقدية من فئة الخمسمائة  , و ورقتان من فئة الخمسين  … تحمل الأرقام التالية …… حسناً لا داعي لذكر الأرقام .. فهي مسجلة هنا ..

أما في جيب قميصك الأعلى .. فكانت هناك بطاقتك الشخصية و  مُغلف لحبوب مسكنة لآلام  الرأس .. صناعة وطنية … يحتوي على أربعة حبّات فقط … و نصف بطاقة يانصيب رقمها المتسلسل : ط . ز 25976477677  …  موعد نتائج سحبها , في نهاية هذا الشهر … للعلم أقول لك سلفاً أنها خاسرة … لو كان الرقم الأخير ( أربعة ) كنت ستربح خمسة الآف  … لكنها لم تُباع هنا في هذه المدينة …

نعم …. نعم سيدي .. أذكر هذا اليوم … و لكنني و الله لم أفعل شيء وقتها و لا قبلها  و لا بعدها …

زاجراً : أصمت يا مواطن .. و هنا الأهم …. وقتها أي لحظة دخولك بالضبط ….. كان عَظمة  [[ المُلهْم ]]  يلقي خطاباً مفتوحاً للأمة بمناسبة ( خِتان ) وليّ العهد …. و هناك من شاهدك في هذا الوقت , و أنت تنظر إلى جهاز التلفاز , و تتمتم بكلمات غير مفهومة .. بعدها إتجهت إليه … و أطفئته … أصحيح هذا الكلام …

لا سيدي .. أقسم بأنه لم يكن هكذا … و الله لم أقصد إطفاءه …

سيدي .. أرجوك  أعطني فرصة …. أرجوك سيدي دعني أشرح لك حقيقة الأمر … أثناء دخولي للسؤال  عن بعض الأوراق الهامة و المفقودة  لأحدى المناقصات الخاصة ببناء ملحق للمعمل و الأمر يدوّر حول مئات الملايين سيدي … لم يسمعني أحد من الموظفين الثلاث  و كذلك الموظفة الجالسة بزاوية الغرفة , لإرتفاع الصوت الصادر من جهاز التلفاز … فبدل أن أخفض الصوت .. إصطدمت أصابعي بمفتاح الإطفاء و التشغيل  .. من غير قصد و لا نيّة .. فاأنا يا سيدي لا أملك جهاز تلفاز , و لا أعرف كيفية التعامل معه ..  أقسم بقبور جميع الصالحين بأنني أقول الحقيقة ..  و قد قمت فوراً بإعادة تشغيله … حتى قبل أن أسألهم عن الأوراق الناقصة …

ثمّ سيدي … ثمّ  إقتربت من طاولة الأستاذ سمعان الشايف … فكررت سؤالي عن الورقة المفقودة صُراخاً في أذنه .. فقام بالبحث عنها في مكتبه بعد سماعه إياي .. حتى وجد الورقة .  أخذتها منه و غادرت بعدها سيدي … و كان جهاز التلفاز يعمل و بصوت عالٍ جداً حتى أقصاه , كما و كل الأجهزة في مكاتب الشركة  بل و ككل أجهزة التلفاز الموجودة في المدينة … هذا كل ما حدث يا سيدي ….

ضّم المسؤول يديه كما يفعل الهندوس عند صلاتهم .. و أرخى أنفه على أطراف أصابعه  ملتفتاً برأسه يميناً و شمالاً … كمن يعّبر عن إستيائه و عدم رضاه …

أنت في وضع حرج للغاية يا مستور … لم أقتنع بكلامك نهائياً , ورقة مفقودة بمئات الملايين , و حفل ( خِتان ) وليّ العهد تضعهم بنفس السوية .. يا لوقاحتك   …. ألا تعلم  أن هذا بحدّ ذاته إعتراف دامغ بجرمك المُشين يا سافل …. حتى تلك اللحظة كنّا نظنك … مواطن صالح .. لكنه و على مايبدو كنّا مخطئين ..

يضغط المسؤول  جرس أسفل طاولته … ليظهر من خلف الباب رجلين ذوي ملامح مرعبة … لم يخطر بباله سوى منكّر و نكيّر … أول من يلتقي به الميت عند نزوله اللحدّ و طمره بتراب الأرض … مصير جميع البشر و مثواهم الأخير …..

…… مّرت ستة شهورٍ و تسعة أيام …. الساعة الثالثة و النصف فجراُ … فُتحَ باب زنزانته الإفرادية , مُصدراً صريراً مُزعجاً … و الذي قدّ ألفُه و إعتاد عليه و ساكنيّ الزنزانة , من صراصير و جرذان … قام من سريره بسرعة  متجهاً نحو الباب , و بحركة آلية جلس على ركبتيه و ظهره بإتجاه الباب للخارج مطأطا الرأس لاصقاً ذقنه بصدره, كلتا يديه خلف رأسه فوق رقبته , مغمض العينين …. هكذا علمّوه في أول ليلة له هنا … و هكذا فعل .. و كما كل مرة طوال هذه المدة ….

…. للحديث بقية …..

ملاحظة : محضٌ خيال بريئة من أي زمان أو مكان … مجرد (( سهرة قلم )) عبثية

الصورة

مواضيع ذات صلة

تحت الإستجواب … ( 1 )

تحت الإستجواب … ( 2 )

13 تعليقات على “تحت الإستجواب … ( 3 )

  1. وليد.. أود أن أشيد لك بالصياغة الرائعة..
    لكنِّي مصدومة.. فقط مصدومة !
    أخشى أن ينتهي هذا الحديث مع آخر ما تبقى من أعصابي لما يحدث مع هذا المسكين

  2. Wegdan S. Ahmed :
    صباح الخير أديبة المستقبل .. لقب / أستاذ / خصصته بكِ , بعد ما قرأت لكِ … أما أنا مجرد وليد … و الجزء القادم هو الأخير يا عزيزتي …
    أوقات طيبة هانئة أتمناها لكِ
    توفيقاً …

  3. يسعدني أن أكون من أوائل المعلقين ، إبداع آخر هنا ودقة في إصابة الهدف ..

    بيني وبينك :

    رغم أنها سهرة عبثية أخشى أن تكون نهايتها مستور آخر !!

    مع كل التحية والمباركة لولي العهد ..

    كل التحايا لك وليد ..

  4. يا رفيق وليد . . ليش عم تحكي أمير المؤمنين وولي عهده الأمين في مملكة المغرب الشقيقة ؟!
    وهل تعتقد أن ملاحظتك حول العبث والسهر والزمان والمكان الغير مناسبين كفيلة بإخفاء الغمز واللمز والمباشرة في تناول شؤون دولة شقيقة وصديقة ! ألا تعلم أنك بهذا تفسد علاقاتنا الأخوية ؟ وأخيرا ألم تسمع ما قاله راغب علامة ” لا تعبث بالنار تحرق أصابيعك ؟
    بانتظار النهاية ولازم يكون فيه كشف للمستور لأنه من الواضح جدا انه هالشخص عميل إمبريالي . . هيك لازم يكون، مشان يكون فيه فائدة ورسالة تحول هالعبث اللامسؤول إلى عبث مسؤول.

    عرفت شلون ؟

  5. أشعر بلمسة “منيفيّة” ربما أحس بها بشكل مضاعف لأنني أعرف أنك من قرّاء الراحل الكبير عبد الرحمن منيف..

    متابعون بشغف !

    تحياتي أبو خالد

  6. السلام عليكم اخى وليد ورحمة الله

    ابشر بطريقتك هذه ان شاء ستكمل انت القصة ونتابعك بالتعليقات
    جميعا فى مكان هادىء وراء الشمس ههههههه
    يا اخى اتظن انك بكلامك هذا تلمح او تشير من بعيد

    احييك على الجزء الخاص بالتفاصيل المتلاحقة التى ذكرها المحقق
    ( هو انت اتحبست قبل كده ؟؟؟)ههههههه

    اعتقد انك ادمنت الامر واتقنت حبك الرواية فى انتظار البقية
    تحياتى لك اخى الكريم

  7. عبد الرحمن الكيلاني :
    و يسعدني جداً مروركم أخي الكريم …. دوماً نقول الله يستر ..
    تحية طيبة

  8. 3bdulsalam :
    حج رفيق عبد السلام ……. يا أخي واضح بأنني أقصد دولة لاتينية …. و بالتحديد جمهورية ( تشيلي ) في عهد الجنرال بينوشيت .. الله يسامحك بس ….. الفتنة أشد من القتل … بدك الإخوة في المغرب يزعلوا منا … بعدين واضح الأخ أمبريالي ابن أمبريالي … واحد عندوا دراجة هوائية … أكيد مو إشتراكي ؟؟؟
    تحية طيبة

  9. ياسوو :
    تحية ياسووو … يا أخي منيف مدرسة … و لكن على رأيك : دول .. تفتخر بأدب أسمته أدب السجون … كيف سترتقي
    أوقات طيبة ياسووو

  10. LOLOCAT :
    و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته أختنا لولو … سعيد بوجودكم في المدونة البسيطة , و الله خايف لا أنا اكتب لكم من ورا الشمس …
    تحية سلام و أمان

  11. شريك شي يوم اذكرلي عن دهن القطن ومن شان شو بيستخدمو مع المعتقلين أمانة 🙂 ؟

    تحياتي تابع مشروع مدون مو بس ناجح

    خربيطة تدوين انت
    لك انت

    ماغوط الورد بريس

  12. tabosho :
    العمى منين طلع لنا هالشب الحلو بشغلة دهن القطن …. يا شباب حدا مضيّع مدوّن من أصل (( ألماني )) … ألماني يا شباب .. حتى شوفو عينوا زرق …

    من بعدكم عبد الوهاب أفندي – و قليلٌ مما عندكم …..

  13. تعقيب: تحت الإستجواب … ( 4 ) | مدونة وَلــيدْ شـّام

اترك رداً على 3bdulsalam إلغاء الرد