ربما كنتُ وقتها في الصفّ الأول الإبتدائي … أو الثاني … و ربما كان قبل ذلك ببرهة من الزمن , عندما سمعت بلفظة الإمبريالية للمرة الأولى … دون وعيّ معناها قطعاً .. فطموحنا الفكري – السياسي في تلك الحقبة من العمر … لا يتجاوز موعد الغداء أو العشاء أو كليهما و مواعيد العطل الرسمية و الأعياد و كل ما يتعلق بعدم الذهاب إلى المدرسة .
رويداً رويدا … بدأت هذه الكلمة الحفر بوجداني الطفولي الساذج .. و تأخذ حيزاً من التلافيف الدماغية المخصصة لها . بالتأكيد لم أعيّ معناها و ربما حتى كتابة هذه الكلمات … لكن و كما الكثير من الأشياء مثل الصمود و التصدي و المواجهة و الأفق العربي و المد الإسلامي و مكافحة الفساد و التطوير الذاتي و الإعتماد على الذات و التكامل الإقتصادي و المؤامرة و الصهيونية و التبعية و الأبدية و الخلود و الرسالة و الهجمة الشرسة و كثيرٌ غيرها … من المفردات نلتمس أثرها فقط … و نستشعر بها كما نسمة الصقيع أو لفحة الحرّ … دون أن نتحسسها أو نسمع حيسسها و نراها , قبل هذا و ذاك .
الإمبريالية مقرونة بذهني و منذ الطفولة بعدة أشياء … مفرحة !!! . أول هذه الأشياء المفرحةّ .. هو الحماس الحاد و الملحوظ الذي يلي التصفيق المدوي من أيادي و إنّ كبر حجمها حجم يديّ و أجساد أصحابها مقارنة بيديّ و جسدي الطفولية .. إلاّ أننا نتساوي بفهم هذه الكلمة …. بالطبع التصفيق يليّ الجملة التي تليّ كلمة الإمبريالية و عادة الجملة هجومية إبادية خارقة حارقة منفجرة مدمرة …. و قاهرة رادعة متفرقعة للإمبريالية … و الشيء الثاني و هو الأحب إلى قلب كل طفل … أنها تتكرر في المناسبات ( المسيرات الشعبية العفوية ) و إنّ لم يهمنا بيوم من الأيام المسيرة و هدفها بقدر ما كان يهمنا … أننا لن نذهب إلى الدوام منذ صباح الله الباكر و لن نضطر إلى كتابة الوظيفة لذلك اليوم المبارك بإمتياز و بموافقة كل السمعيّات و البصريات المُستنفرة لهذه المناسبة … و بالمناسبة كل مناسباتنا – عظيمة !!