تحت الإستجواب … ( 1 )


12617630482

الساعة الثانية من بعد منتصف الليل … جرس الباب يرن بإلحاح … تقلب في فراشه معتقداً بأنه يحلم , بالأحرى أراد أن يعتقد بأنه يحلم … الرنين لا يتوقف …. بحث و دون أن يفتح عينيه عن زر  إضاءة المصباح المنتصب بجواره على المنضدة الخشبية المتهالكة … وجده بعد أن أوقع الكوب  النصف ممتلئ من الماءِ  أرضاً …. لازال الرنين متواصل لكنه أصبح بفترات زمنية أطول من المرات السابقة …

قال في سره … من هذا الغليظ الذي يأتيني في هذه الساعة المتأخرة و ماذا يريد مني … ثم شرد قليلاً … و تمتم قائلاً  اسأل الله أن تكون أمي و كذلك أبي بخير … عند تذكره  لوالديه هرع مسرعاً نحو الباب … محاولاً في طريقه تثبيت نظارته على أرنبة أنفه المذعور كأرنب بريّ هارب من كلاب برية تجرى خلفه  بكل ما أوتيت من عزم و قوة .

فتح الباب بسرعة … وجد أمامه أربعة رجال وقفوا منتصبين أمام باب منزله ,  إرتسمت على  وجوههم علامات الجدية الممزوجة بالغضب الشديد .. و نزق واضحٌ للعيان رغم عتمة الشارع

هل ننتظرك ساعة حتى تفتح الباب … قال أحدهم رافعاً يده  كمن يهمّ  أن يصفعه

, لولا أن أمسكه  زميله من يده مانعاً إياه من إنزالها  على خده الأيسر  … تابع بصوت أجش :

هل أنت مستور عبدالله مستور

متعلثماً : .. نعم و من السادة

هذا ليس من شأنك ؟؟؟ تابع بلهجة صارمة : تفضل أصعد معنا في السيارة

لكن يااا … ؟؟؟؟

قلت لك أصعد و بهدوء … قالها و قد جره من ياقة لباس نومه بعنف , دافعاً إياه نحو السيارة المركونة مقابل باب بيته دون أن يُطفئ محركها … على مايبدو قد علق جيبه بقبضة الباب مما أدى لتمزق ثوب نومه … و سقطت نظارته نتيجة هذه الدفعة القوية التي كادت أن تسقطه هو قبل نظارته , لكنه  تمالك نفسه و توازنه … و بيد خبيرة معتادة على تلقي .. مايسقط منه بين الحين و الآخر … تلقفها قبل أن تطأءها الأقدام الغاضبة

فاتته و تخلت عنه عنوة فردة حذاءه اليمنى … بقيت خلف باب المنزل من الداخل … تبكى أختها اليسرى و قدما صاحبهما

أقلعت السيارة مسرعة  يقودها سائق نحيل  كان يردد كلمات أغنية تنبعث من مذياع السيارة … دون أن يلتفت لحمولته المحشورة بين أكتاف زملائه في المقعد الخلفي ..  جلس أضخمهم جثة بجوار السائق محتضناً بندقية رشاشة و جهاز إرسال لم يهدأ .. و هو يردد عبارات مرمزة … لم يفقه منها شيئاً .  أعاد الرجل الذي جلس بجوار  السائق مقعده للخلف ما إستطاع فاسحاً لكرشه الضخم  و معداته متسعاً من مكان .. بعدها أشعل و للسائق لفافتي تبغ ناوله إحداهما …. دون أن يتكلما

في المقعد الخلفي جلس بين رجلين عريضيّ الأكتاف ضخام الجثة ,  و هو بينهما من حيث الحجم كما ديك نحيل جائع نسيه أصحابه خارج القن و دفئ دجاجاته تحت وابل من مطر في ليلة شتاء باردة ..

لم يتكلم أحد طوال الطريق .. أخذ منه الرعب درجة جعله يفقد القدرة  على الكلام و الحركة .. زاد دخان لفائف التبغ المنبعث من أفواه الرجال الأربعة توتره و إرهاقه  .. فهو غير مدخن .. و يعاني هذه الأيام من مشاكل تنفسية نتيجة لتقلبات الجو في مثل هذا الوقت من كل عام ..   أنساه  الخوف  ألم صدره بل و لم يستطع حتى مجرد السعال … أراد أن يصرخ : من أنتم ؟ … إلى أين تأخذونني ؟… و قبل هذا و ذاك ماذا فعلت ؟؟ …  ماذا تريدون منيّ ؟؟ … عجزت حنجرته المذعورة حتى الموت عن الإستجابة لطلبه .

وصلت السيارة إلى البناء الضخم ذو الأسوار الصفراء العالية المتوجة بأسلاك شائكة تعجز حتى الحمام عن عبورها  . ذلك المبنى سيء السمعة و الواقع في الجهة الغربية من المدينة … ما أن رأه حتى خرت عزيمته و إعتراه وهنٌ و ضعف شديدين .. بل كادت روحه أن تفارق جسده إلى أعالي السماء … دون رجعة

هذا المبنى الذي لم ينظر إليه في حياته كلها بشكل مباشر … و لا يذكر أنه مّر من هذا الشارع طوعاً .. إذ أنه كان يختار الإلتفاف من حوله  عبر طريق أخر , ربما أطول بكثير … و لكنها أحب إليه من يوسف لأبيه …

دفعه أحدهم بعنف من السيارة … خرج كرهاً و قد زلتّ قدميه فسقط أرضاُ .. ليقوم الذي من جهته برفعه من الأرض بشدة .. لولا بقاء يد هذا الرجل مطبقة على عاتقه .. لطار من فوق السيارة  بعدة أمتار نحو الأعلى .

فقد فردة حذاءه المنزلي الثانية عند باب السيارة الأيسر .. ركل الرجل الأخر  فردة الحذاء بعنف بإتجاهه كأنها كرة قدم .. ناظراً إليها أولاً ثم إلى وجهه ثانيأ و كأنه يقول إحملها معك …

حملها بيد مرتجفة و لسبب ما قارن ساعتها مابين وزنه  و وزن فردة حذائه .. فشعر بأنها تفوقه وزناً  و كرامةً بكثير ..

صعد إلى الطابق الثاني دفعاً من الرجل الأول و جراً من صاحبه الثاني … بين دفع و جر عبر البهو الطويل وصلوا  إلى الغرفة ماقبل الأخيرة ..

طرق أحدهم الباب و دخل دون إنتظار جواب , ممسكاً إياه من ذراعه .. أما الرجل الآخر فبقي في الممر يدخن لفافة تبغ كان قد همّ بإشعالها أثناء صعوده الدرج .

في صدر الغرفة شبه المعتمة و خلف طاولة حديدية جلس رجل في العقد الخامس من العمر تبدو  على مُحياه  الجدية … و الصرامة .. لكنها  ممزوجة بتراسيم أكثر طيبة و بشاشة  من سابقيه . نظر إليه فاحصاً إياه من رأسه حتى أسفل قدميه و بالعكس .. دون أن ينبسّ ببنت شفة

أشار إليه بالجلوس … لولا  إشارته المنقذة  لسقط من تلقاء نفسه متكوما على الأرض كخرقة بالية , خوفاً و رعبا من مجهوله القادم … جلس الرجل الذي يرافقه بجانب الرجل المتموضع بهيبة  خلف الطاولة … همس له ببضع كلمات .. لم يسمع منها شيئاً .. فكان الرجل يستمع لمحدثه من جهة  و هو يمسك ذقنه مستنداً على سطح المنضدة .. و من جهة أخرى يرمقه بنظرات قصيرة .. مبهمة لايُفهم المراد منها .. هزّ رأسه عدة مرات .. قبل أن يغادر مرافقه الغرفة إلى حيث لايعلم ..

إزداد تكوّره و تقوقعه  على نفسه بمغادرة الرجل الأول  فإنكمش في كرسيه كمن ينتظر الموت القادم بأية لحظة .. بدأ يسرد شريط حياته الرتيبة و البائسة على عجالة عسى أن يعثر على سبب إحضاره بهذا الوقت و بهذه الطريقة .. لم تسعفه ذاكرته التي إضطربت اليوم و في هذه الدقائق القليلة … كمن مر عليه دهر و عاصر عدة حروب فتاكة .. حاول إسترجاع أحداث الأسبوع الأخير على الأقل … لم يُفلح بالتوصل لشيء . فقد كان ضائعاً مشوشاً .. هو أقرب منه للجنون … من العقل .

حاول النظر إلى الرجل خلف المكتب من خلال زجاج نظارته الذي تلطخ بعرقه و بعض الأتربة التي علقت بها عنده وقوعه على الأرض .. كأنه شاهد أن الرجل لا ينظر إليه .. إذ إنشغل عنه بتقليب بعض الأوراق و الصور و المُصنفات الكبيرة بالإضافة لعدة أشرطة تسجيل … كان يضع بين الحين و الآخر ورقة أو اثنتين على يمينه بمعزل عن بقية الأوراق …

تقول الساعة المعلقة على الجدار بأنها أصبحت الثالثة بعد منتصف الليل .. فرح لثوانٍ قليلة بمشاهدة الساعة  إذ كان يريد أن يلقي نظرة إلى ساعته لمعرفة الوقت فلم يجرؤ .. فساعدته ساعة الجدار الرتيبة بدقاتها تلك على معرفة الوقت .

فجأة رن جرس الهاتف … تناول الرجل سماعة الهاتف ذات اللون الأحمر … و قد وقف على قدميه منتصباً كأنه يكلم شخصاً يقف أمامه تماماً  و ليس من خلال هاتف …

يتسآءل .. كيف عرف بأن مصدر الرنين هذا الجهاز دون غيره .. فهي خمس أو ستة أجهزة هاتف … يتابع ربما الرنين مميز .. أو الحاسة السادسة التي يتمتع بها ..

إنتهت المكالمة سريعاً .. لملم الرجل الأورق التي جمعها على مكتبه … و قام بتوضيبها بشكل جيد .. قبل أن ينظر إليه و يشير إليه بالوقوف …

وقف على قدميه و هو يشعر بأن الغرفة تدور من حوله بسرعة و قدماه تهتزان بعنف .. كاد أن يقع .. لولا قول الرجل له .. لا تخف يا بني … المعلم يريد رؤيتك … تشّجع

لم يطمئن كثيراً رغم النبرة الهادئة .. لكنها ذكرتهّ .. بأنه يجب أن  يُسقط فردة حذاءه اليسرى من يده لتتلقاها أصابع رجله اليمنى التي لم تكن أقل إرتباكاً من صاحبها .. شعر بعدم التطابق بين الحذاء و قدمه  .. لكنها كانت أخر همه … تابع مشياً بجوار الرجل في الممر المعتم إلاّ من إنارة خفيفة ..  سكون مطلق مخيمّ على المبنى الذي لم يخترقه سوى صوت حذاء الرجل الواضح بإصرار على أرضية الممر .. مثبتاً صارمة صاحبه

وصل للغرفة التي تقع في آخر الممر … طرق الرجل الباب بقضبة يده المضمومة بهدوء … بطريقة بالكاد تُسمع ..

صوت خافت من الداخل يقول : أدخل …..    

…. للحديث بقية …..

ملاحظة : محضٌ خيال بريئة من أي زمان أو مكان … مجرد (( سهرة قلم )) عبثية

الصورة

مواضيع ذات صلة

تحت الإستجواب …. ( 2 )

13 تعليقات على “تحت الإستجواب … ( 1 )

  1. حركت في مشاعر حزينة وذكرتني بقول درويش: “وأعشق عمري لأني إذا مت أخجل من دمع أمي”.
    ألازال الوضع في ؟؟؟؟؟ كما صورته؟ إرهاب النظام للآمنين؟ وتعذيب الظالمين للعاملين لمصلحة البلد؟ ودفع للمحبين للوطن لهجره والرضا بمر الغربة؟
    أعاني عند قراءة مدوناتك من أخطائك في قواعد اللغة إلا أنني أحب أسلوبك في سرد القصص.
    أتنمى لك الأمن والرفاه

  2. السلام عليكم ورحمة اله وبركاته

    احمد الله اخى وليد ان ترك زوار الفجر هؤلاء لهذا المسكين
    فردة حذاء غيرهم فى مكان ما من الارض يسحلون سحلا
    ويجرون قهراً..دون حذاء وتعصب اعيتهم الى ماشاء الله من الوقت
    الى ان يسمح الباشا ( احنا عندنا باشا مش معلم) بنزع العصابة
    هذا ان نزعت من اساسه
    البلاد العربية كلها تتشابه اخى وليد فى هذا القهر والديكتاتورية

    فى اننظار الجزء الثانى وادعو الله الفرج القريب

  3. أمجد :
    تحية أخي العزيز .. و أشكر صبرك على متابعة ما أكتبه .. الحقيقة أنا أكتب بشكل عفوي .. و أنشر ما أكتبه فوراً , … فهذه تدوينة .. كتبتها بأقل من ساعة و نشرتها فوراً و غادرت … لأعود بعد فترة و أبدأ بلملمة ما إستطعت مما إقترفته يداي بحق اللغة العربية ….
    بحفظ الله

  4. LOLOCAT :
    و عليكم السلام و رحمة الله و بركاته ..
    تعددت الألقاب و السـّجان واحد … هي هكذا الحياة أختي الكريمة و منذ الأزل … حاكم و محكوم و سجن و سّجان و سجين … نسأل الله العفو و العافية لكم و لمن تحبون و لجميع عباده …
    أشكر مرورك الكريم أختنا لولوكات ..

    ملاحظة : عدا صعوبة الوصول لمدونتكم بسبب الحجب .. أعاني من صعوبة إرسال التعليق … بكل الأحوال رحم الله صاحب قصيدة ( هُبل هُبل ) إذ لم أستطع كتابتها عندكم رغم محاولاتي … أما صور التدوينة الأخيرة جميلة جداً فهي تنمّ عن ذوق رفيع و حسن إختيار … سأحتفظ بمعظمها في جهازي
    بحفظ الله لولو و رعايته

  5. ودّ
    مرّ
    منْ
    هنَ
    طــــ

    هي سهرة هي
    حسبي الله منك
    نقلتني لتفاصيل كانها رح تصير

    غنى الحمام على الهزار فما عرفنا من المقصود بالنغم

  6. التقطتَ بخيالك الكثير من الواقع المؤلم
    في انتظار الجزء الثاني.. كان الله في عون ذلك المسكين و أمثاله

  7. tabosho
    تحية حج عبد الوهاب …. على هوا السحبة يا خاي … على هوا السحبة …
    بحفظ الله و رعايته

  8. Wegdan S. Ahmed :
    تالياً أشكر مروركم الكريم … أما أولاً .. فقد زرت مدونتكم اليوم … الحقيقة ذُهلت لما شاهدت فعلاً … من محتوى و إهتمام يدل على ثقافة عالية … أهنئكم و إن شاء الله سأكون من متابعي كتاباتكم
    توفيقاً

  9. yassin :
    هلا بك ياسوووو … إتصل الوالد اليوم .. الساعة ثانياً ظهراً يريد الجزء الثاني فوراً … و إلاّ ….
    أوقات طيبة

  10. تعقيب: تحت الإستجواب … ( 4 ) | مدونة وَلــيدْ شـّام

  11. تعقيب: حرية : (كما أنا.. تدوينة حائرة) « على هامش مفكرتي

اترك رداً على Wegdan S. Ahmed إلغاء الرد